شارك الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، في احتفالية الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية بكازاخستان باليوم العالمي للغة العربية عبر كلمة مسجلة بالفيديو، والذي أقامته الجامعة أمس، بحضور الدكتور محمد الشحات الجندي رئيس الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية بكازاخستان، ووفد من أساتذة وطلاب اللغة العربية بجامعة أبلاي خان برئاسة الدكتور شولبان بازاربيكوفنا، ووفد من أساتذة وطلاب اللغة العربية بجامعة الفارابي برئاسة الدكتور يركنبيك سوقاي، ووفد من المعهد الدولي للدبلوماسية الثقافية بالإمارات العربية المتحدة برئاسة الدكتور محمد كامل المعيني مدير المعهد.
وخلال كلمته أكد وزير الأوقاف، أن الله (عز وجل) شرف اللغة العربية بأن جعلها لغة القرآن ومكمن إعجازه، فهي مفتاح فهم كتاب الله (عز وجل)، ولا يفهم فهمًا دقيقًا لعمق أسراره ولغته إلا بتعلم العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فكل لفظة وكل حرف وكل كلمة في القرآن الكريم وقعت موقعها، ولا يقوم غيرها مقامها.
وهذا نص كلمته: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين وبعد، فيسعدني أن أتوجه بكل التحية والتقدير لدولة كازاخستان رئيسًا وحكومة وشعبًا على احتضان الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية (نور مبارك)، كما أتوجه أيضًا بالشكر والتقدير والإشادة بالدور الذي تقوم به الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية (نور مبارك) في دولة كازاخستان في نشر الفكر الوسطي وبيان سماحة الإسلام، كما أشيد وبشدة باحتفائها باللغة العربية وباليوم العالمي للغة العربية، فاللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، ومن ثمة كان الاهتمام بها؛ فقد شرف الله (عز وجل) اللغة العربية بأن جعلها لغة القرآن ومكمن إعجازه يقول سبحانه: “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ”، ويقول سبحانه: “كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”، ويقول سبحانه: “وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ”، وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: “تعلموا العربية فإنها من دينكم”، وجاءه كتاب من سيدنا أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) فوجد فيه سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) خطأ لغويًّا فكتب إليه أن اعزل كاتبك وقنعه سوطًا، ومر على قوم يتعلمون الرمي فلامهم على عدم دقة رميهم، فقالوا خطأ: إنا قوم متعلمين، والصواب كما تعلمون أن يقولوا: إنا قوم متعلمون، فقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشد عليَّ من خطئكم في رميكم.
وأهل العلم على أن فهم الكتاب والسنة فرض واجب ولا يفهم فهمًا دقيقًا لعمق أسراره ولغته إلا بتعلم العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم، حيث يقول عن اللغة العربية:
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً
وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً
يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي
فاللغة العربية هي مفتاح فهم كتاب الله (عز وجل) والأمثلة على ذلك عديدة ومتعددة، ويكفي أن نقف عند مثال واحد، في قوله تعالى: “وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا”، ويقول سبحانه: “وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا”، فجاءت الآية الأولى في الحديث عن جهنم بقوله تعالى “فُتِحَتْ” بدون واو، وفي الحديث عن الجنة “وَفُتِحَتْ” بالواو، قال بعض أهل العلم: الواو هنا هي واو الحال، أي جاؤوها والحال أنها مفتوحة، وهذا من مزيد إكرام الله لعباده المؤمنين، وقال بعضهم: إنها واو الثمانية، وكان من عادة بعض القبائل العربية أن تقول واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية فتأتي بالواو مع العدد الثامن، والقرآن الكريم نزل على سبعة أحرف وقد راعى بعض اللهجات العربية الفصيحة، ومنها هذه اللهجة التي تثبت الواو مع العدد الثامن على رأي من قال إن الواو هنا هي واو الثمانية، ولذلك نظائر في القرآن الكريم، اقرأوا قول الله تعالى: “سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ”، فجاءت الواو مع العدد الثامن، وفي سورة التوبة يقول سبحانه وتعالى: “التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ
“، فجاءت الواو مع العدد الثامن، وفي سورة التحريم يقول سبحانه وتعالى: “عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا”، فجاءت الواو مع العدد الثامن، وفي إفادتها معنى آخر وهو معنى التنويع، فلا مانع أن يفيد ذكر الحرف أكثر من معنى، ما علاقة هذا بالآيتين (فتحت) و (وفتحت)؛ أبواب جهنم سبعة لقوله تعالى
:”لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ”، والعرب لا تأتي بالواو مع العدد السابع، أما أبواب الجنة فثمانية، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “ما منكم من أحدٍ يتوضَّأُ، فيُحسنُ الوضوءَ، ثم يقولُ: أشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه اللهم اجعلْني من التوابين، واجعلني من المتطهِّرين، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنَّةِ الثمانيةُ، يدخلُ من أيِّها شاء”، فلما كانت أبوب جهنم سبعة لم يؤت معها بالواو، فقال سبحانه: “وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا”، ولما كانت أبواب الجنة ثمانية جيء معها بالواو، فقال سبحانه: “وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا”، أي وكأنه (سبحانه وتعالى) يقول: وفتحت أبوابها الثمانية، ولا مانع أن تفيد الواو هنا الحالية جاؤوها والحال أنها مفتوحة والثمانية معا، فما دلالة أن جعل الله أبواب جهنم سبعة أبواب وأبواب الجنة ثمانية أبواب قال بعض أهل العلم: هذا دليل على أن رحمة الله أوسع من غضبه، اقرأوا إن شئتم قول الله تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”، فإذا كان هذا هو خطاب الله (عز وجل) لعباده الذين أسرفوا على أنفسهم فما بالكم بخطابه لعباده المؤمنين.
ونؤكد أن كل لفظة وكل حرف وكل كلمة في القرآن الكريم ذكرًا أو حذفًا تقديمًا أو تأخيرًا إفرادًا أو جمعًا وقعت موقعها، حيث يقتضي السياق ذكرها أو حذفها أو تقديمها أو تأخيرها، فما قدم لا يصلح مكانه التأخير، وما أخر لا يصلح مكانه التقديم، وما حذف لا يصلح مكانه الذكر، وما ذكر لا يصلح مكانه الحذف، إنه كلام رب العالمين، ولذا لما سمع أحد الأعراب قول الله تعالى: “وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”، قال أشهد أن هذا كلام رب العالمين لا يشبه كلام المخلوقين وإلا فمن ذا الذي يأمر السماء أن تقلع عن إنزال الماء فتقلع ويأمر الأرض أن تبلع ماءها فتبلع إنه رب العالمين ولا أحد سواه، وسمع الأصمعي فتاة فصيحة فقال لها ما أفصحك!؟ قالت: أي فصاحة وأي بلاغة إلى جانب فصاحة وبلاغة كتاب الله (عز وجل)، وقد جمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين في قوله تعالى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ”، إنه كتاب الله وإنها لغة القرآن.
صورك : البلاد