أيام قليلة، لكنها كانت مثقلة بكثير من الأحداث والتطورات، مرت منذ أن نفذت إسرائيل الضربة الأكبر على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة الماضي الـ27 من سبتمبر (أيلول) السابق. عصر ذلك اليوم هزت انفجارات متتالية العاصمة اللبنانية ومناطق قريبة منها ليتبين بعدها أن هدف هذه الضربات اغتيال أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله في المقر المركزي، فيما أكد الحزب بعد ساعات مقتله في الهجوم.
كثير من الأسرار والمعلومات والتحليلات خرجت إلى العلن منذ ذلك اليوم، منها ما تحدث عن كيفية خرق أقرب دائرة إليه ومعرفة إسرائيل بمكانه، وأخرى من طريقة تنفيذ الهجوم وتفاصيله، ومنذ لحظة تأكيد مقتل نصرالله كثرت التساؤلات عن من سيخلفه وكيف سيختار الحزب خليفة له، بخاصة أنه كان في هذا المنصب منذ 32 عاماً.
نصرالله وتكريس القيادة
عقب اغتيال إسرائيل سلفه عباس الموسوي عام 1992 تسلم نصرالله قيادة الحزب، ومنذ ذلك العام لعب دوراً على صعيد حزبه كما في المنطقة المحلية والإقليمية، فيما يعد كثر أنه طوع الهيكل التنظيمي للحزب لتكريس القيادة واستمرارها.
وعلى مدار 32 عاماً مضت لم يعرف الحزب قائداً وأميناً عاماً له سوى حسن نصرالله، وشكل اغتياله صدمة موجعة وضربة قاسية للحزب وبيئته الشعبية والسياسية، التي كانت تستبعد هذا المآل ولم تضعه مرة في حساباتها، وربما ضعضع هذا الاغتيال المفاجئ ثقة الحاضنة الشعبية في أن يستمر الحزب في “قدرته” للحفاظ على المكانة التي كان عليها في ظل وجود نصرالله أميناً عاماً. وهناك كثير من الأسئلة باتت تطرح نفسها حول مستقبل الحزب بعد نصرالله وحول قوة وصمود الحزب في مواجهة الحرب الإسرائيلية المعلنة عليه وعلى بيئته الحاضنة ومن هو الخلف الذي سيقود الحزب بعد هذه الصفعة الموجعة، بخاصة بعدما خسر عدداً كبيراً من قيادته الأساس، مثل فؤاد شكر وإبراهيم عقيل وعلي كركي، وغيرهم.
ممن يتألف “حزب الله”؟
حتى الساعة يحضر اسمان على طاولة خلافة نصرالله لا ثالث لهما، أقله إعلامياً، وهما نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين.
منذ انطلاقته عام 1982، في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي البري للبنان، وضعت قيادة الحزب الهيكلية التنظيمية التي تتلاءم والأسس التي قام عليها والغايات البعيدة المدى.
وفقاً للنظام الداخلي للحزب، يجري اختيار الأمين العام الجديد بعد انتخابه من قبل أعضاء ما يعرف بـ”مجلس الشورى”، وهو مجلس يتولى القيادة العليا للحزب، يتكون من سبعة أعضاء ويعرف بـ”مجلس شورى القرار”. وعملية انتخاب الأمين العام الجديد تتم خلال مؤتمر مركزي، يتشكل من كوادر وقيادات الحزب.
يعد “مجلس الشورى” أعلى هيئة في الحزب، ويترأسه الأمين العام ويتكون من رؤساء المجالس الرئيسة، أهمها المجلس التنفيذي الذي تأسس في يوليو (تموز) 1995، ويترأسه حالياً صفي الدين، أحد أبرز المرشحين لخلافة نصرالله، وهو ابن خالته. وكذلك يضم “المجلس العسكري والجهادي” الذي يأتي في المرتبة الثانية ويتوازى بالأهمية مع مجلس الشورى ويتواءم معه، وتأسس كذلك في يوليو عام 1995.
وعلى رغم أن “حزب الله” كان منتظماً في أنشطة مسلحة منذ نشأته، غير أن المجلس هذا أنشئ من أجل مراقبة وتوجيه هجمات الحزب وأعماله العسكرية من كثب ضد القوات الإسرائيلية، التي كانت تحتل جنوب لبنان آنذاك في مرحلة تأسيسه.
وتحت مظلة مجلس الشورى تتفرع مجالس أخرى، ومنها المجلس القضائي والبرلماني والسياسي. ويتألف مجلس الشورى من رؤساء المجالس الرئيسة في الحزب، وهم نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم ورئيس المجلس القضائي محمد يزبك ورئيس المجلس السياسي إبراهيم أمين السيد ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين والمساعد السياسي للأمين العام حسين خليل ورئيس المجلس البرلماني ورئيس كتلة الحزب النيابية النائب محمد رعد.
ضربات موجعة
سألنا الكاتب والصحافي خالد العزي عن مستقبل الحزب بعد التطورات الكبيرة الأخيرة، فرد بالقول “الحزب تلقى ضربات موجعة منذ أسابيع عدة، وهذه الضربات أضعفت موقعه العسكري والأمني من اغتيال نصرالله وقبله قيادات الصف الأول، وكذلك تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي”. ويضيف، “كما أن ضربات إسرائيل الجوية طاولت المناطق التي تعد خطوط إمداد للحزب. وتحاول تل أبيب فصل القرى والمناطق بعضها بعضاً لأهداف استراتيجية وعسكرية، ولذلك كانت تضرب مواقع واستحكامات تعد مخازن أسلحة وانطلاق منصات صاروخية. وبغض النظر عن صدق ما تدعيه إسرائيل من عدمه، لكنها متفوقة في الجو، فيما نصرالله بنفسه تحدث قبل اغتياله بأيام عن أن من يملك الجو والتكنولوجيا هو المتفوق”.
لكن ماذا بعد نصرالله؟ يرى العزي أن إسرائيل وباغتيالها الأمين العام وجهت ضربة قاسية جداً إلى الحزب، الذي ومع فقدان شخصية بهذه القوة وهذه القدرة وهذا الوزن سيتأثر مهما قالت إيران إن المشكلة ليست بالأشخاص، ومن يذهب يحل مكانه آخر. ويضيف أن الجميع يعرف أن من سيقود الحزب لاحقاً هو هاشم صفي الدين الذي يعد شخصية قيادية موثوقة مقربة من الأمين العام السابق أيديولوجياً وبالفكر السياسي، وهو قريبه وابن خالته، وقال “لكن عملياً لا نعرف أسماء الذين قتلوا في ضربة الضاحية، وحتى صفي الدين لم يخرج ولم يدل بأي تصريح، لكن لم يتحدث أي تقرير أو معلومات عن مقتله”.
في سياق متصل، لا يستبعد أيضاً العزي أن يتم اختيار نعيم قاسم لقيادة الحزب، ويقول “يمكن أن تتم تزكيته ويقود المرحلة الثانية، وهو مقرب ويعرف كل الملفات وكان اليد اليمنى والرجل الثاني في الحزب، لكن الأمور ليست بهذه السهولة فنحن في حرب وأي قائد ميداني صغيراً كان أم كبيراً، يصعب بهذه اللحظة تأمين البديل عنه أو وضع شخصية بديلة له تستطيع أن تقوم بالمهام التي كان يقوم بها، والجنوب قد أفرغ من سكانه، والقصف يستمر على الجنوب والضاحية وعلى البقاع، وقطع خط الإمداد، والحزب مكشوف بالاغتيالات، وإسرائيل تسيطر على الجو وعلى القدرات”.
هل تأخر الحزب في اختيار خلف نصرالله؟
ما من موعد محدد لاختيار أمين عام جديد لـ”حزب الله” خلفاً لنصرالله، لكن ونظراً إلى أن الوضع اليوم استثنائي على مختلف الصعد، يسأل كثر عن سبب عدم اختيار أمين عام جديد بعد، فالحرب في أصعب مراحلها، وعمليات الاغتيال تتوالى بصورة يومية، فيما القاعدة الشعبية تعيش حالة إحباط كبيرة، كما أن بعض التقارير الإعلامية تحدث عن خلافات داخل الحزب قد تكون هي العائق أمام عدم إتمام عملية الاختيار هذه، لكنها بقيت في إطار المعلومات غير المؤكدة.
فيما يعتبر متابعون أن الحزب تأخر في اختيار خليفة نصرالله، التي كان يجب أن تحصل بعد أيام قليلة، وأن التأخير يصعب مهمة الاختيار وسط خلافات داخلية في الحزب قد تظهر إلى العلن.
وفي هذا الإطار قال نائب أمين عام الحزب نعيم قاسم في كلمته قبل ساعات إن الحزب سيختار خلفاً لنصرالله في أقرب فرصة وبحسب الآلية المعتمدة للاختيار، وقال “سنملأ القيادات والمراكز بصورة ثابتة، والخيارات ستكون سهلة لأنها واضحة”، من دون تحديد أي موعد أو إطار زمني.
الخيارات تتقلص
حول خيارات التنظيم في اختيار الأمين العام المقبل يقول المحلل والباحث مهند الحاج علي إن هذه الخيارات تتقلص مع الوقت في من سيكون الأمين العام المقبل، وإسرائيل هي جزء من المعادلة لجهة اختيار الأمين العام، إذ سعت إلى تقليص حلقة المرشحين، فيما إيران هي الصوت الراجح في اختيار الأمين العام، وهذا على المستوى الأول. ويتابع، “أما على المستوى الثاني، يتحدث الحاج علي عن حاجة الحزب في المرحلة المقبلة للإتيان بشخص يكون في الأقل على مستوى معروف لدى التنظيم داخلياً ولديه دور متقدم، ونصرالله كان داخل الحزب الشخص الذي يجمع كل التناقضات والحساسيات وعلى رأسها الحساسية المناطقية كالبقاع والجنوب، وأهمية اختيار شخصية قيادية قديمة في الحزب، تكمن في كون هذه الشخصية على تماس مع الواقع وهو ما يؤخذ في عين الاعتبار للمرحلة المقبلة”.
وحول مسألة إعلان اسم الأمين العام يرجح الباحث الحاج علي “أن نرى اختياراً بالوكالة على طريقة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وهناك اليوم نائب للأمين العام متوافر بإمكانه أن يلعب دوراً إذا كان لديه تواصل مع القيادة، لكننا حتى الآن لا نعتقد بوجود هذا التواصل.
ويعد الحاج علي أن شخصية هاشم صفي الدين “مؤثرة ومعروفة لكن لديه لغة خشبية في التعاطي، ويمكن أن يكون شخصية غير ملهة أو شخصية قادرة، ولا ننسى أنه كان في مكان لم ينتج لأن تنظيمه كان تنظيماً على شاكلة التنظيمات اللبنانية من حيث الزعامات والقيادات، هي مشكلة ستكون الأنظار موجهة لمعرفة كيف سيحلها الحزب”.