تعيش أسواق مدينة حلب حالة من عدم الاستقرار، مع تجديد المكتب الاقتصادي التابع للقصر الجمهوري في العاصمة السورية دمشق، فرض إتاوات على التجار والصناعيين تفوق قدراتهم المالية، في ظل شلل الحركة التجارية واستفحال الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها مناطق سيطرة النظام.
وفي مشهد اعتاد عليه تجار وصناعي مدينة حلب مع كل انهيار في الاقتصاد السوري، عادت حملات التضييق وابتزاز أصحاب رؤوس الأموال من قبل المكتب المالي للفرع 251 أو ما يُعرف باسم “فرع الخطيب” التابع لإدارة المخابرات العامة، لتحصيل الأموال تحت التهديد بالاعتقال والتغييب القسري.
طرق ابتزاز جديدة
وفوجئ أصحاب المحال التجارية في منطقة العبارة وهي من المناطق التجارية المعروفة وسط مدينة حلب، بتلقيهم فواتير مالية مستحقة الدفع وهي عبارة عن ضرائب تكميلية للضرائب التي دفعوها سابقاً.
وبحسب أبو أحمد وهو صاحب محل في منطقة العبارة، فقد تلقى جميع التجار فواتير ضخمة بقيمة تتراوح بين 30 إلى 100 مليون ليرة سورية، كفرق سعر تصريف الليرة السورية الجديد وإسقاطها على الضرائب المدفوعة خلال أعوام 2020 و2021 و2022.
ويقول: “منتصف شهر تموز/يوليو الماضي، وصلتنا فواتير كبيرة كان لي نصيب فيها تجاوز الخمسين مليون ليرة، في حين تلقت غالبية التجار فواتير تراكمية تراوحت بين 60 و100 مليون ليرة، أما أصحاب المحال الصغيرة فكان نصيبهم بين 31 و45 مليون ليرة سورية”.
ويضيف أن “هذه الفواتير جاءت بحسب مدفوعات التجار السابقة التي وضعت قياساً بسعر التصريف الرائج وقتها، ليتم تعديلها بناءً على سعر الصرف الحالي وتحميلنا الخسائر التي لحقت بالليرة خلال السنوات الثلاث الماضية”، مشيراً إلى إلزامية تسديدها خلال الأسابيع القليلة القادمة، أي قبل دخول استحقاق الضرائب عن عام 2023، رغم تفاقم الحالة المزرية التي يعيشها السوق وإغلاق الكثيرين لمحالهم بعد أن أصبحت إيجاراتها عبئ كبير لا يمكن توفيره بسبب توقف حركة البيع والشراء”.
الدفع أو الاعتقال
وفي محاولة للتقليل من قيمة الضرائب المفروضة، قام التجار بإضراب استمر لأيام بالتزامن مع تشكيل وفد لمقابلة مسؤول المكتب الاقتصادي في دمشق، ونقل معاناتهم والعمل على إيجاد حلول تناسب جميع الأطراف.
إلا أن الوفد عاد بخفي حنين، بحسب أبو محمد، الذي أضاف: “المسؤول المالي لم يعر اهتماماً بالوفد أو احتجاج التجار والتلويح بالإغلاق الكامل، بل على العكس قام بتهديدنا بالاعتقال والملاحقة القضائية في حال الامتناع عن دفع المستحقات كاملة، مؤكداً على أننا أحرار في الإغلاق لكن بعد دفع الأموال المفروضة علينا”.
ويشير إلى أن غالبية التجار مازالوا رافضين فكرة الدفع، لعدم قدرتهم على توفير المبالغ الضخمة، وعلى أمل أن يستجيب المكتب المالي لمطالب تقليل الضرائب أو تقسيمها إلى أقساط سنوية يمكن التعامل معها.
ثمن البقاء في سوريا الأسد
وامتدت آثار الحملة الأخيرة لبقية أسواق مدينة حلب المعروفة بالعاصمة الاقتصادية للبلاد، مع تصاعد مخاوف التجار من وصول منشار المكتب السري إلى جيوبهم، خاصة وأن هذه الحملة قد سبقها فرض إتاوات على الصناعيين وأصحاب المولدات الكهربائية في المدينة نهاية العام الماضي، بذريعة شرائهم المحروقات من السوق السوداء.
الخبير الاقتصادي فراس شعبو يقول إن ” الجمارك والمكتب السري الذي أعادت هيكلته وإطلاقه أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد عام 2019، يعيثون فساداً في دمشق وحلب على وجه الخصوص، مستهدفين الطبقة التي يصنفها النظام أنها مستفيدة من الأزمة بسبب استمرار وجودهم في البلاد، وبالتالي وجوب تحملهم جزءاً من فاتورة الحرب”.
ويضيف: “التوسع في فرض الضرائب والإتاوات، يعود إلى انهيار قيمة الليرة وعجز النظام على المستوى النقدي، ليصل الى مرحلة لم يعد بالإمكان السكوت عنها حتى داخل الطبقة الموالية، بسبب فرض رسوم حكومية وجباية المكتب السري وإتاوات الترفيق، وجميعها أموال مضافة إلى قيمة الإنتاج التي أصبحت عبئاً على التجار والصناعيين وزادت من مستويات التضخم بشكل كبير”.
الدفع مقابل البقاء في البلاد، معادلة فرضها نظام الأسد على التجار والصناعيين في مناطق سيطرته، من خلال إطلاق يد المكتب السري والهيئات الاقتصادية لجباية أموال تذهب بالاقتصاد السوري إلى الدمار الشامل.
المصدر: المدن